Posts Tagged ‘عرائش القطاف’

مقاربة نقدية في موائد الحنين

123155

 

مقاربة نقدية في موائد الحنين

للشاعرة فواغي القاسمي

 

 

رغم أنني لا أحبذ قضية تقسيم وتنسيب الأجناس الأدبية إلـــــى أدب ذكوري وآخر أنوثي لما في هذه القضية من تعقيد ممل وتسطيح مقيت لا يصب في مصلحة الأدب بشكل عام كحامل وجامع لذات الرسالة التي ينشدها الطرفان, إذ كم من الأديبات كتبن عن عالم الرجال ببلاغة وحكمة فاقتْ الرجل نفسه والعكس صحيح.

أجدني مرغماً على القول:

أفرز الأدب النسائي الحديث أسماء شاعرات كانت لهن بصمة مهمة وواضحة في المشهد الشعري الراهن من خلال إجادتهن مختلف الفنون الشعرية كالقصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة والشعر الحر.. وقد تجلتْ تلك البصمة في إغناء وإثراء الساحة الأدبية بنتاجاتهن الناضجة والتي كان لها دور فاعل وأساس في معرفة القارئ التائه والباحث عن المعرفة والجمال دوماً بأدوات الكتابة الشعرية المعاصرة من خلال عقد ضمني واع ومبرم بين الشاعرات والنص المكتوب وذلك بطرح أفكار جادة ومعالجتها وبتكثيف الصورة الشعرية وضغط المفردة إلى حدودها القصوى والاهتمام بموسيقى الشعر.. ومن الشاعرات اللواتي كانت لهن مثل هذه الإسهامات الجادة والمسؤولة في المشهد الشعري الحديث على سبيل المثال وليس الحصر: نازك الملائكة وسعاد الصباح وعنايت جابر ومرام المصري وظبية خميس وفوزية سندي وجويس منصور ولينا الطليبي.

ضمن هذا الإطار والنسق الحداثوي الهام صدر للشاعرة فواغي القاسمي وهي شاعرة تنتمي إلى الجيل الشعري الجديد وتكتب القصيدة العمودية والتفعيلة والشعر الحر ولها مجموعات مطبوعة في كل ذلك، مولود  شعري جديد تحت عنوان موائد الحنين وهي المجموعة الخامسة للشاعرة بعد: ألم المسيح ردائي وهو ديوان شعري / ملحمة عين اليقين مسرحية شعرية/ الأخطبوط مسرحية شعرية ً/ أي ظل يتبعني مختارات شعرية.

تقع مجموعتها موائد الحنين في 216 صفحة وهي من إصدارات مؤسسة شمس للنشر والإعلام في القاهرة. تتضمن  ثلاثين قصيدة هي على التوالي: رحلة صيد ٍ بائسة / املأني دفئا في صقيع عدمك / رقاص الساعة / حدثني وجع  النهر / متى يتوقف ناعور الضياع ؟!/  ساحرة  /  قال : استأنّي /  ليلها الموبوء بالحيرة /  ذات الوشاح الليلي / كيف لي  أن أجفف الزوابع ..؟! / ماذا لو..؟ / حزنك ذكرايَ و ذاكرتي / ربي … مزقني إن شئت على بابك  / إنانا / وهم الموت الجميل / دموع السماء / توأمان أنا و الألم / ضفائر الوقت الحزون / غيبوبة الكشف / موائد النار الحرون / و أسكرتهما نشوة الغواية / شوق الفصول / جلجامش / شهوة الجنائز / سعيد مجيد عامكم الجديد/ يانع زهر العشق / زمردة / فوضى أقانيم الرياح  / ضجيج قيامة و حساب / على قارعة الذكرى.

بداية سننطلق من شرح مبسط للعنوان كعتبة أولى للدخول إلى المجموعة التي أرى أنها تمثل نموذج هام للكتابة النسوية بشكل عام وقصيدة النثر بشكل خاص، ومن ثم سنتناول المجموعة تحليلاً وتأويلاً ومراماً.

ـ العنوان موائد الحنين

فالعنوان يتألف من كلمتين فقط وهما:

موائد:

جمع للمائدة ويعلم الجميع أن المائدة تحفل بالكثير من أنواع الأطعمة والفواكه والحلويات مصفوفة في أكواب وصحون عادية وملونة ربما عند البعض.. البعض مائدته عامرة تحفل بكل ما ذكر أعلاه .. وفقيرة عند البعض الآخر.! كما أن هناك سورة المائدة في القرآن الكريم.

الحنين:

كلمة واحدة ومصطلح جامع لعواطف ومشاعر وأحاسيس لا تعد ولا تحصى، فالشوق والتوق واللهفة والرغبة والهيام وغيرها من المفردات الكثيرة جداً تندرج تحت مسمى واحد أو كلمة واحدة هي الحنين المشتقة من الحنان.

الشاعرة هنا تضع الحنين بكل مراميه وأبعاده ودلالاته في أكواب وصحون ستقدم بعد أن تنتهي من سكبها / كتابتها على مائدة هي مائدة القراء. سيقرأ قارئ عن حنين إلى الديار وسيرتشف آخر حنيناً يسكره ويطربه بعد أن نأى عنه زمناً، وسيكوى آخر بحنين من نوع آخر وهو حنينه إلى حبيبته التي هجرته إلى آخر.. ثمة حنين للطبيعة المسافرة في رحلة اغتصاب وحنين مؤجل وحنين مقسط وحنين من دافع عن الأرض واستشهد في سبيلها ليدفن في بقعة أخرى من وطن أنصرف القائمون عليه وأولي الأمر إلى كل شيء يخدم أناهم المتورمة ومصلحتهم الذاتية على حساب مصلحة الآخرين. إذن للحنين أنواع، هذا ما تقوله الشاعرة أو ما يستشف من العنوان وهذه الأنواع تتبع لأمزجة وحالات ومشاعر كل من سيمر ههنا.. هذه التوليفة الشعرية بتأطير وتكريس أنواع / جدلية الحنين تبعاً لحنين ينتاب كل واحد منا هي مهمة صعبة وملغومة.. صعبة الإلمام بها وخطرة، ومكمن الخطورة هنا، هل سيتوفق من يتطرق إلى معالجة كل حالة من هذه الحالات..؟ هل من نصب نفسه محللاً لما ينتاب الآخرين من

هموم وتداعيات وعواطف ومشاعر وأحاسيس قد مرّ بكل ذلك كي يكتب عنه شعراً..؟ هل اكتوى بتلك الحالات وعاشها أم قرأ وسمع عنها كي يقدم لنا في وصفة جاهزة علاجاً لأنواع الحنين..؟  هل هذا هو ما قصدته الشاعرة أم ماذا..؟ هل تسخر من واقع مزيف فارغ معلب ومدجن يبس في فؤاده كل معاني الحب والخير والحنين أم تحرض قارئها على الثورة في وجه من اغتصب كل مشاعر الدفء والحنين بحيث أصبحنا كالدمى نجر أذيال الخيبة دون أن يعني ذلك شيئاً لنا .. ودون أن نتوقف للحظة نتأمل فيها شاخصين لا منذهلين برودة وصقيع العواطف وتخشبها وتحجرها.

  في غربة الارتحال / بين مفترقات الوهم / يشدنا الحنين / إلى حارات الطهارة و الصدق/ إلى منبع الفرح / واحتواء الألم.

حفلتْ المجموعة بقصائد نثرية مموسقة من حيث متانة اللغة وجمال التصوير والدلالات الجديدة البديعة والخيال الخصب وتحمل رؤىً وصوراً ومعانيَ مؤثرة وقوية وتلامس أعماق القارئ المتعطش للجمال وهذه لعيني علاقة طردية مع قدرة الكاتب إذ كلما كان الكاتب مبدعاً كانت صوره رائعة وجميلة والعكس صحيح.. تتطرق إلى الأشياء المهملة والذابلة في حياتنا وتبحث عن الشعر داخل التجربة الداخلية الذاتية في فضاء الذات الأنثوية بأنامل احترافية مجدولة ومغموسة بماء الشعر..  تتصدى للوجع الإنساني وتصرف عليه جل اهتمامها وفكرها.. وتتطرق لموضوعات سامية نبيلة وهموم العصر برؤية شعرية شفيقة دون أن تتزحزح عن الفكرة التي هي بصدد الكتابة عنها.. متسلحة بأدوات الشعر وملمة بالقضايا والنظريات والمدارس الشعرية القديمة والحديثة وذلك بلغة بكر عذراء واقتصاد وتقتير لغوي، فما يهمها هو أن تنمو القصيدة تصاعدياً حتى تصل إلى الذروة وغالباً ما تكون الخاتمة كارثية في وقوعها على الذات الأنثوية.

حدثني وجع  النهر / عن انثيال وجده / على وجنة الانعتاق / و عذرية اللغة.

البساطة والحيوية في كتابة الشعر وفي كتابة الكلمة الدالة والمعبرة عن لواعج الذات الإنسانية هي سمة تميزت بها الشاعرة في مجموعتها التي دعمتها بمجموعة من الترددات الصوتية متمثلة بالتكرار بغية تعميق الدلالة التجسيدية للألم والفرح والنجوى والسلوى, حيث يتحول من مدرك معنوي باطني إلى مدرك حسي ظاهري، وهي كما أعتقد نقطة قوة تفردت بها مبتعدة عن الزخرفة العقيمة التي تجعل من الشعر ورود اصطناعية في بيوت بلاستيكية سرعان ما تذبل.

فالوحدة وحيدا في ليل حيرته الذي لا ينتهي / حين العين يسهدها الانتظار / و القلب المتوثب للقاء ٍ /لا يجيء

والماء والمطر والأرض والروح رعشة السماء / و احتضان الأرض / عمر اخضرار ٍ مجبول بكليهما  / و المطر المرسوم بدقة / على صحراء القلب / يتدفق ألوانا / يتشكل / سريان الروح / لهجير العطش.

والدفء إملئني أملا في قلبك / دفئا في صقيع عدمك.

والمنفى والحنين والطبيعة والسخط والتذمر والتمرد والكرم والأمل والشجاعة والخنوع والذل والنصر والهزيمة والطيور واللؤم واليأس هي باختصار مفردات موضوعات تؤرقها وتؤرشفها وتسعى للكتابة عنها وتعريتها وفضحها سواء من تجربتها الذاتية أو من الظلم والواقع المتردي الذي عاصرته. وذلك بلغة مشذبة وقفلات فنية عاقلة وصور تكثيفية ترميزية مدهشة، إذ غالباً ما تنهي قصيدتها بعبرة أو عظة تستوقف القارئ الذي لا يملك إلا أن يعيد من جديد قراءة تلك القصيدة .

ولأن أكثر الفنون صارتْ تميل إلى الإيجاز في لغاتها التعبيرية استجابة لروح العصر القائم على السرعة والاقتصاد والتكثيف، فأن للقصيدة القصيرة جداً أو القصيدة الومضة حضور جميل وموظف في هذه المجموعة، إذ نرى الشاعرة لاهثة في صياغة مقاطع نثرية تتوافر على صور مكثفة كأننا أمام لوحة رسام يتقن عمله، ففي قصيدة ذات الوشاح الليلي تقول: صورة هلامية /على ذات الوشاح الليلي / يتمدد اللون على نوافذ عينيها / ليتلون قلبها / و شيء ما خارجه يشي بها / وحدهما في تلك الغرفة / صورتان و نبض / كيف لتلك الأبواب أن تتكسر / يمتزج اللون دون صوت / يرسمها في اللوحة / خارج الغرفة.

ـ السمات العامة في شعر كاتبة موائد الحنين :

ـ تكثيف وضغط المفردة:

تحرص الشاعرة في شعرها على ضغط وتكثيف مفردتها إلى حدودها القصوى لخدمة المنحى أو السياق العام الذي تعمل عليه.. وهي بذلك تتخلص من الشوائب والترهلات غير اللازمة التي تعيق المفردة عن النطق الشعري السليم  والتوظيف المتقن.. فهي تحلق بمفرداتها المشذبة في سماء الشعر بلغة واضحة بعيدة عن الإبهام إذ نراها غير متكلفة ومبتعدة تماماً عن الزركشة اللفظية والزخرفة الفاقعة.

ففي قصيدتها( زمردة ) تكتب:

حزم حياته في حقيبة سفره / استقل أول غيمة عابرة / مشدود بأحزمة الألم / إلى أرض لم تشرق شمسها / مذ غادرتها النجوم / والتحف القمر دثار الغياب.

ـ الاهتمام بالصورة الشعرية:

يقف قارئ موائد الحنين أمام كم كبير من صور مبتكرة وخام ولم تتبادر إلى ذهنه إلا ما ندر، فالومضة حاضرة بين مقطع شعري وآخر والحكاية المؤنسنة أو أنسنة الحكاية حاضرة.. صور غرائبية تهتم الشاعرة فيها بدفقة الشعر والشعور مكرسة لها ألوان شجرة الشعر اليانعة دوماً.. ولا تتأتى كتابة هذه الصور المتفاوتة أحياناً بين الجدة والجمال والعادي المألوف بهذا الشكل غير المألوف لأي كان..

لأنها تستلزم أولاً:

ـ معرفة مسبقة بضوابط كتابة الشعر وإلماماً واضحاً بالنظريات والمدارس الشعرية.

وثانياً:

ـ تشرب الشعر وكتابته من منطلق الشعور والإحساس بجدوى كتابته النابعة من هم يسكن ذاتها الشعرية القلقة والمسكونة بفك شيفرات الجمال وتعرية الواقع والمسكوت عنه بلغة مسبوكة ومصبوبة في قالب لغوي شعري أخاذ.

/ تعبئ قواريرك من حانات البنفسج وغدران الياسمين / تسكبها على تعاشيب المواعيد و دفاتر الذكريات / غناؤك المعجون بتمتمات الناي و سقسقات العنادل / يقاسم الأملود المئيد دلاله و النسيم رقة الهبوب / و تغرسين شعلة  في ذيول السحابات الهاربة../ وأكتب بلادة التقويم الشاحب على سبائك المـدر./

ـ عمق المعاني، وسهولة الألفاظ:

فالمعاني ترتبط بالإنسان وبالحياة وبالشعور والألفاظ سهلة لينة فيها قدرة فائقة على حمل المعاني المختلفة بحيث تأتي مشعة من النوع السهل الممتنع.

أرحلُ و شواطئي مثقوبة ٌ بالذكرى../ لجندول حياتي المتأرجح على أمواج الغربة / أنفاسي تحرق كل  حقول القمح / بنزيف غرسِها  في تجاعيد  الروح المنهكة / ارتطام  جليد  بصخرة  الحقيقة / سغبُ الروح  للحظة اللقاء / تسبر غوائل الليل الكليل / في حلكة الغيب تتماوج تقاطعات الشعور على أفاريز التيه / أظلته برمشيها المنسدلين كأهداب نخيل / تمشطين شيب الأفول بأصابع الحرير.

ـ استحضار عوالم فلسفية :

تعكف الشاعرة على دراسة قضايا فلسفية وأسطورية من خلال استحضار أرواح وقصص أسطورية في أغلب الأحيان كما في إنانا و جلجامش إذ أنها تكرس اللغة أداة طيعة وموفقة لتمرير وتسخير فكرتها وتفردها.

أنظر مثلاً إلى ما تقوله عن الآخر الرجل شريك الأنثى في الهم والوجع الإنساني :

لحظة تشبهني / حين بعضك كلي / و كلك بعضي لأراك / أراني / و يبقى الشوق محتدما بكياني / هذا و أنت مني / فكيف حين بعادك عني. !!

ـ السخرية والتناص والنجوى والتحدي:

وقد تبدتْ السخرية بمرارتها غير المستساغة واضحة في قصيدتها سعيد مجيد عامكم الجديد إذ أنها تسرد بضمير المتكلم وبحنكة متمرسة حكاية أرض سليبة أنصرف قسراً أهلوها عنها أو هكذا قُدِرَ لهم، في إدانة هامة وصارخة لواقع مشرد وأعوج حتى العظم ولا يحرك ساكناً. إذ أنها سئمتْ كما تقول من هذه الرتابة والمشاهد اليومية المرعبة وتحن لدفتر الذكريات في إشارة إلى الماضي الزاخر بالأمجاد والبطولات وتتمنى أن تفقد الذاكرة كي ترتاح ولو قليلاً من عبء مشاهد وصور اليومي الجبان بعيداً عن العدو / الجارة المتربصة ذات العينين المريبتين.

ولتختم قصيدتها بالعنوان نفسه في إشارة سافرة إلى الخنوع والضعف وقحط وجدب الفحولة والرجولة.

وتتناص بعض قصائد المجموعة مع التاريخي واليومي والاجتماعي والسياسي. وكذلك الأسطوري ببعديه الجمالي والخرافي كما في قصائد ساحرة.. جلجامش.. إنانا.

وفي قصيدة ربي مزقني إن شئت على بابك. مناجاة حارة وصادقة:

يا رب الكون و ربي. / مزقني إن شئت على بابك../ قدرني  قربانا./ و أشعلني نيرانا / في محراب رجائك / لكن رحمتك إلهي  …

ولا تتوقف الشاعرة في متى يتوقف ناعور الضياع..؟ الضياع الذي يطحن الفرح عند شرح مواويل الفراق ونهر العبث الراكد والأشباح التي تعفر القلوب بغبار الزمن وصقيع الذكريات المؤلمة والرؤوس المثقلة بنعاس التيه ويُتم الأطفال على قارعة الشفقة والقمر الذي غادره ضياؤه بل تقفز الشاعرة لتفاجئنا بدعوة ثورية تتجلى فيها قمة مراحل التحدي لنصر زائف حققه عدو مخاتل مغرور في قصيدة رقاص الساعة ـ وكم تمنيتُ لو أن الشاعرة وضعَتْ هذه القصيدة بعد قصيدة متى يتوقف ناعور الضياع..؟ لا قبلها ـ

ثم تراجعت ../ فأنت لست سوى رقاص / وأنا أكبر من أن يهزمني رقاص ! / سيتوقف الرقاص ..حتما.  / ولكن الطبول ستظل تقرع.

ختاماً:

قراءة سريعة كهذه لن تغني بالتأكيد عن قراءة مجموعة مكثفة وخالية من الزوائد والحشو الوصفي والاستطرادات بلغة زاخرة بعوالم من الصور واللامتناهيات والرموز والإشارات وذلك من خلال تقنيات مشغولة وعناصر منتقاة وكثير من المحفزات المتواشجة لتقديم شعر مراوغ عبر إيقاع شفيف.

عمران عزالدين أحمد

سوريا / الحسكة

 

العاشق والمعشوق في (ألم المسيح ردائي)

العاشق والمعشوق في (ألم المسيح ردائي)

 120923

                       الدكتور مقداد رحيم

 

  يتجلى المعشوق مخلوقاً أسطورياً في قصائد الغزل العربية، يُحاط بوشاح من القدسية، ولا يُدرَك إلا آسراً مَنيعاً، وقادراً مُتحكِّماً، وهو مع ذلك مرغوبٌ مطلوب، مقبولُ الفتنة، مسوَّغُ العبث بالأفئدة، واللهو بالراحات والأرواح، مُسامَحٌ على ما يقترفه من هنات وهفوات، يستمد قدسيته مما للعشق من قدسية … العشق الذي بلغ الشعر فيه مبلغه القصيًّ حتى سُمح بروايته في دور العبادة، وحتى صار للموت سبباً، فصدَقَ رجلٌ من عذرة حين قال: "نحن قوم مَن بلغ منا العشقَ مات"!.

  ومن مفاخر هذا الاتجاه من الشعر أن القول فيه من لدن المرأة لم يكن مستنكراً منذ طفولة الشعر العربي، وقد بلغت القرنين من الزمان قبل الإسلام على رأي الجاحظ، وأبعد من ذلك على رأيي أنا، ومَن يقرأ الكتب التي وضعها المؤلفون المشارقة القدماء في أشعار النساء، فضلاً عن كتب الأمالي وأخبار الأدب والأدباء، أو كتب التراجم الأندلسية والمغاربية فإنه سيتبين ذلك، بعد أنْ يبلغ منه العجب مبلغاً.

ولماذا العجب؟

ذلك لأن هذا الغزل النسوي، وأقصد شعر العشق السامي، لم يقتصر على فقيرة دون أميرة، ولا على متفقهةٍ دون فقيهة، ولا على الرعاع دون العِلية، ولأنه صار فيما بعدُ ذكورياً أسوةً بالمجتمع، فحُجبت المرأة عن القول فيه، أو حُجِبَ عَـنَّـا ما قالـتْهُ، فامتنعت الكتب عن روايته، بعدما انحسر رواته، وقلَّ مَعينُهُ، وزاد ظُلم الرجل للمرأة، حتى عصفت بالشرق عصور متأخرة سُمِّيتْ مُظلمة، فاشتدتْ معها ظُلمة شعر الغزل النسوي وشهدتْ انحساره جُملةً، إلا في القليل النادر.

  وإذا كان مما يميز الشعر العربي الحديث ويَسِمُهُ بالتطور فذاك هو هذا النوع من الشعر، فصار له شواعر معروفات مشهورات، ودواوين تتناثر هنا وهناك في مكتبات أغلب أقطار العالم العربي الإسلامي، ثم صارت الشبكة العنكبوتية عنكبوتاً له. ولا أبعُدُ قبل أنْ أشير إلى شاعرة مائزة من شواعر العصر هي الشاعرة الإماراتية فواغي القاسمي وبين يديَّ ديوانها (ألم المسيح ردائي) الذي صدرت طبعته الثانية هذا العام (2007).

  تبدو فواغي القاسمي في قصائد هذا الديوان عاشقة من درجة رفيعة، إذْ تحتفي بالعشق أيما احتفاء، وتُدني إليه مخابئ الروح، وتسعفه بنبض القلب، وتُديم الحنوَّ له، والسهر عليه، وتخلصه لمعشوقيها… هل قلتُ معشوقيها؟.. نعم، قد فعلتُ، فهي تختزل العشق في ذاتها ليتسرب منها في اتجاهات متعددة بتعدد المعشوقين. وأول المعشوقين الله جلَّ جلاله، وهي تقدِّمه في ديوانها على سواه في المنـزلة فتجعله الأول في الترتيب، فهو الواهب، والعشق من بعض هباته، ومكامن قدراته، ولذلك توجَّب إدراكه من خلال الذات، ثم التوحد في ذاته:

وأبصرتُ فيك إلهي جلالاً…….. ومن ملكوتك أبصرتُ نفسي

تجلتْ لعيني حقيقة كوني……… وأنك عينُ يقيني وحَدْسي

وأنك نور الورى السرمدي…… تنـزه عن كل أمر بلبس

فوحدتك الله رباً عظيماً……… تمجد في القدس عن كل قدس

وأيقنتُ أنك في الكون كلّ…… فذاب بذاتك روحي وحسّي

  ولاشك في أن الشاعرة هنا تغترف من معاني من سبقها من المتصوفة الذين جعلوا لمفردات العشق معانيَ خاصةً بهم وحدهم، وبالحب الإلهي وحده، لتصير فيما بعدُ مصطلحاتٍ وُضعتْ فيها الكتب، وأصبحتْ وما تدلُّ عليه عِلماً من العلوم، كما وُضعتْ في غزلهم الصوفي الدواوين الخاصة.

وهناك قصائد أخرى في هذا المعشوق في أماكن متفرقة من الديوان، مثل "شهيد الحب".

   وثاني المعشوقين في صفحة قلب الشاعرة الوطن، فهو الملهم والراعي للعشق، وهو مكانه وزمانه، فحقَّ الإخلاصُ له، والتضحية بالنفيس من أجله:

تملكتَ مني جوارح نفسي…. وروحي، وقلبي عليك انختمْ

وألهمتني الحب حتى غدوتُ….. أرنم باسمك عذب النغمْ

سأرخص دون ذراك الدماء….. وأجتاز في الهول عب الخضمْ

غير أن الشاعرة تذهب في عشقها لوطنها بعيداً في هذه القصيدة، فتتراخى غنائيتها الأنثوية العذبة ليطغى طابع التحدي والانتقام من أعدائه:

إذا ما دنتْ من حماك الخطوبُ…. ركبتُ الوغى وشحذتُ الهمم

لأسقي عداك زؤام الحتوف….. ونار الجحيم كسيل الحمم

فأنت الإمارات رمز الصمود….. تجاوزت في العز أعلى القمم

سأسحق فوق ثراك الأعادي…… وأحمي حماك كطود أشمّ

….

وهناك قصائد أخر كذلك لهذا المعشوق في أماكن أخرى متفرقة من الديوان مثل "جف اليراع"، و"طنب الجريحة".

   وتتجلى إنسانية الشاعرة وما تنطوي عليه نفسها الوقور من العشق السامي الذي لا تشوبه شوائب نفوس الآخرين من البشر، في قصيدتها "ألم المسيح ردائي" التي جعلت عنوانها عنواناً للديوان، حيث التسامح.. هذا المعشوق الذي تستشعر من خلاله الحكمة في ذات الله وكينونته، ثم تصرِّح بحكمتها الأثيرة:

أبصرتُ من نور اليقين حقيقتي…. ووجدتُ في ربي عظيم فنائي

أسلمتُ أمري للذي هو واحد….. وقد ارتضيتُ بقسمتي وقضائي

….

  وعلى الجانب الآخر يقف المعشوق في شخصه الآدمي، فيأخذ مساحته الواسعة من شعر فواغي العاشقة دائماً، وتحاوره على مدى "يا عذابي من غرامي"، و"شوق ولهيب"، و"غرام وشجون"، و"ما على الدهر ملام"، و"أرق الزمان لصبوتي"، و"محاكاة"، و"سلام سلام"، و"كم ليل العاشق ممتد!"، و"نجم العشاق.. حنانيك بمهجتي"، و"أعد لي قلبي يا سارقه"، و"عهود العرام"، و"دع انعكاسك في ذاتي"، و"لا تسلني من أكون"، و"خلب الغرام جنانا"، و"زائري في ليلة صيف"، على الرغم من مراوغة بعض هذه القصائد في الإفصاح عن المعشوق على الحقيقة، ولها الحق في ذلك، وأقول بعض القصائد لا جميعها لأن محاورة الإنسان معشوقاً في البعض الآخر منها لا تشتبه بذات الله تعالى شأنه، كما تفترضه قواعد الغزل الصوفي، وما اعتاد المتصوفة على استخدامه من المصطلحات وصفات العاشق والمعشوق، أو كما تدل عليه صفات المُخاطَب.

  وللشاعرة معشوقون آخرون يُلهبون عواطفها وغنائيتها المعهودة وهم يحومون حولها في إطار العائلة.

  إنَّ الشاعرة فواغي القاسمي تتوحد والعشق بوصفه ملمحاً أصيلاً لا ينبغي للإنسان أن يتخلى عنه، أو أن يكون مُفرَّغاً منه، ووجهاً من وجوه الله، لا يُرى إلا من خلاله، وعندما نقول "العِشق" فلأن الشاعرة لا تُهادنُ في مشاعرها، ولا تُرسلها جزافاً، ولا تعبر عنها على سبيل الاعتياد أو المجاملة أو اللامبالاة، بل هي حادة المشاعر، مخلصة الجَنان، لها في العذريين أسوة وقدوة، ولذلك فمشاعرها تتغلغل في العشق، وهو عندها قيمة ترتقي إلى مستوى التقديس والتبجيل، ولهذا لا نجدها معشوقة في شعرها، بل هي العاشقة دائماً، وعلى هذا دارت معانيها، وإليه جَرَتْ مقاصدُها، فأسبغتْ بذلك على قصائدها طابعاً إنسانياً، متجاوزة فيه الأنا والذات.

 

الحس القومي:

  وإذا أطلنا النظر قليلاً في تلك المقاصد فإننا نجد فواغي على قدر كبير من الحس القومي، وعلى قدر كبير من الشعور بالمسؤولية إزاء ما يجري في الوطن العربي، فتأخذ على عاتقها تعرية الواقع، واستنطاق الأحداث، لتنطلق منها ناقدةً متحمسة ثائرة، ويتجلى ذلك في مطولتها "قمم الضجيج"، فاضحةًً اتكال الأمة على ضجيج القول دون الفعل، فضلاً عن دوام الفُرقة والتحارب، على أنها كانت تُـعَدُّ في العصور الماضية الدرة بين الأمم:

خيباتنا عبثاً نحاول

أن نعدَّ حدوثها

منا.. وفينا.. أم علينا

لا يهم هنا الجوابْ

ونلفق الأعذار

نسقطها على الأقدار..

نبرع في التآمر والخيانة..

في الملامة والسبابْ

….

ونظل نبكي فوق أطلال

العصور الغابرات

ونشتكي هول المصابْ

هل ذاك شرع إلهنا

في ديننا..؟

في منهج الدنيا القويم

وما تنص عليه آيات الكتابْ؟

أنْ يخذل الإخوان إخواناً لهم

في الدين والأعراق

حين تلح حاجات التكاتف

في الخرابْ

….

تباً لها من أمةٍ

كانت بحق درة بين الأمم

فإذا بها بهوانها وخنوعها..

تغدو الفريسة

بين أنياب الكلابْ!

……

وهي تحاول على مدار هذه القصيدة أنْ تكشف، عن عيوب هذه الأمة، والأسباب التي أورثتها التخلف والتراجع بين الأمم، في كثير من الجرأة.

تجربة الإيقاع:

  ليس من العسير اكتشاف قدرة الشاعرة فواغي القاسمي على البناء الشعري الأصيل للقصيدة العربية، وتكوينها الثقافي الضارب في أعماق التراث العربي. وقد حافظت على بناء قصائدها على أوزان الشعر العربي فتوزعت على الرمل كامله ومجزوئه والكامل باشكاله المتعددة، والمتقارب والبسيط والمتدارك والوافر، وبذلك استطاعت أن تنوّع في إيقاعات قصائدها وتبعدها عن الرتابة والنمطية، غير أنها مولعة بالكامل والمتقارب والرمل، لانسجام نفسها مع إيقاعاتها غالباً.

   وقد اتخذتْ من القصيدة المقفاة ذات الشطرين أساساً لهذا البناء، فجاءت موسيقى قصائدها متساوقة، متوقَّعة الجرْس والنغمات، تحكمها القافية الواحدة، ثم جاءت هذه القافية الواحدة على أشكال مختلفة: ساكنة أو متحركة أو ممدودة، وقد شَذَّتْ عن هذه قاعدة هذا الإيقاع رباعيتها  الميمية "سلام وسلام"، وقصيدتها المقطعية الحرة "قمم الضجيج"، ولذلك أثره كذلك في تنويع الإيقاع ودفع الرتابة والملل عن ذائقة القارئ فضلاً عن سلوكها الذهني في التأتي للقصيدة.

   إن فواغي القاسمي في اعتنائها بموسيقى القصيدة العربية وإيقاعها تمسح الغبار عن القصيدة العربية وتحاول أن تُعيد إليها نضارتها وبهجتها وأصالتها، وتنظمُّ إلى رعيل من الشواعر والشعراء الذين يحثون الخطى في هذا السبيل.

 

اللغة والأسلوب:

  تمتلك فواغي القاسمي لغة شفافة طـيِّعة خفيفة الظل على ذهن القارئ، ويبدو لي أنها من الشعراء الذين لا ينحتون الجملة الشعرية نحتاً فيعتاص عليهم التركيب والتأليف، بل تدع ذلك لشاعريتها وخبراتها اللغوية وتلقائيتها الذهنية، على الرغم من أنَّ للقصيدة المقفاة ضروراتها التي توقع بالشاعر غير المحنك أحياناً وتخل بانسياب معانيه وسلاسة ألفاظه، ولاسيما في كلمة القافية.

  أما أسلوبها فلا يجد للغرابة وتعقيد التراكيب أو الإسفاف مجالاً يُذكَر، فهو سهل، واضح، بسيط، يُشعر قارئه بقربه من الفهم والإدراك دون معاناة أو كدّ ذهني، ولذلك فإن قصائدها سهلة الحفظ، طـيِّعة على الترنم والإنشاد، بل إنَّ القارئ لا يسعه الشعور بالملل وهو يقرأ قصائدها الواحدة تلو الأخرى، وهذه من أهم الملامح الحسنة للكتابة لدى الشاعرة فواغي، كما هو ملمح حسن لدى أي شاعر أو شاعرة.

….

     إن "ألم المسيح ردائي"، كما يشي عنوانه، هو وعاءُ وجدان شاعرة ٍ تلفعتْ بالأسى، وحملتْ على جنبات قلبها وفي أعماق روحها هموماً هي أبعد من الذات الشاعرة الخاصة، وأعمق من الهموم اليومية العادية، لا كما يشي عنوان هذا المقال!.

 

 

 

 

د. مقداد رحيم شاعر و ناقد وباحث عراقي مقيم بالسويد .

موائد الحنين

120566
  http://groups.yahoo.com/group/hamasat_hamasat/message/1333
بفضل من الله و توفيقه ،

صدر لي عن دار شمس للنشر و الإعلام
مجموعتي الجديدة ( موائد الحنين )
في 216  صفحة من القطع المتوسط
و يشتمل على ثلاثين نصا نثريا أو ( قصيدة نثرية)
،

،
المقدمة

إلى كل من استطاب موائدي .. بعض من نشيج الروح

 

للألق وهلة إختراق
و للضجر صرخة إحتراق
و بهما ليس الصمت وحده ينبت شجرة الإنفجار في نواة القمر
فللظل مرضاته و قامته التي تنحي أمامها صرخاتنا

و النصوص لا تنتهي عند ضفاف العتمة و لا تعيرها الشمس شيئا
من حريقها .. إنما هي ا
لحية الباقية دونما إشعار و اختيار

و للروح مسارات الشجن / الألم
لاتخطئ الوصول برغم تكسر الدروب
و غفلة القدر
ونحن سائرون بمشيئة لا إرادة
فتلاشت فروق البداية و النهاية

 

تمرة من منضود حقول اللقاء

لقاء أجراه الأديب و الصحافي يوسف الشرقاوي لمجلة المثقف

 

http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&task=view&id=24925&Itemid=31

شغف موجع لقاء خاطف ,نصوص ,قصائدولحظات شعرية شفافه ومفتوحه على الحياة والجمال,والمعاني العميقه تجربه جديدة فكرة مستوحاة من جمالية الروح واللغة,تامل واقعيةحينا غارقه بالحلم احيانا يربط مابينك وبين قصائدك خيط ذهبي رفيع هو خيط الجمالية وايقاع موسيقي,مفعم بالحيوية ,فواغي  القاسمي  س  واحد فقط  حاولي ان تجمعي  فيه كل المقدمة كيف تبنين نصوصك الشعرية واعمالك  الرائعه من اين تستوحين جمالية الابداع ؟
يوسف الشرقاوي
 ،
،
الزمن أرجوحةٌ تهبنا لحظات المتعة أحيانا ،و العذاب أحايينا أخرْ .. و بينهما تتهادى نبضاتنا بين السكينة و الرفض ، الفرحة و الحزن ، الأمل و الألم.. وتبقى القصيدة ولادة رعشة مقدسة انفصلت فيها المادة عن الروح .. لحظة من بروق خاطفة تسقط أنوارها كبقعة ضوء من حروف و مشاعر لتكتبنا في لحظة غياب الوعي و تجلي الحقيقة .
 
هذه الشاعرية المستحضرة في النص الشعري المنسكبة من أباريق التيه على معارج الحروف و أفاريز النبض هي مشاهد منعكسة من قطاف الفصول المصلوبة على مفترقات الرحيل ، ذاك الممتد بنا منذ الأزل و لم يزل، صور بيضاء و سوداء ، و ألوان مرسومة بريشة فنان معصوب العينين .. شرع للضوء ريشته فامتزجت ألوان اللوحة ، مبدعة فضاءات ترسم فينا الكلمة و ترتلها على أوتار الشرود ..
تحترق الوهلة الأولى فيتصاعد لهيب قوامها في متاهات التشكيل ، تستدرج الشجن من بوتقة اختزاله لتغرقه في رماد التكوين الأول ، وتغيب لحظة الوعي المدرك في سبات الغيب المبهم  الصادح بترانيم الانعتاق من لابد و ما يجب وما لا يكون أويكون ، شاردة في ملكوت الدهشة الخالقة و الرغائب المخزونة ….
و في روابي الكلمة تستبيح الذات مواردها المتألقة و الألقة بعيدا عن الانتقاء الساذج و استجابة لنداء الصوت الصارخ ببرية الدواخل ، ذاك المتجرد من التنسيق و الأدلجة و الفرض .. تحليق على ضباب الغربة وانزواء في صومعة التراتيل المعتقة منذ زمن غائب في الحقيقة و حاضر في الشعور ..
موازين الصوت الناحب والغاضب و المتألم و الشاكي .. المعجون بلواعج الغروب و تمتمات الفجر و هواجس الماء و خديعة الطين ، المقتسم مداه بين صهيل الريح و صهوة النهار و حميمية الليل تلك التي تخلقني في كل لحظة كمأدبة من مشاعر متراكمة و صور مضطربة و قناديل متكسر ضوءها على تعاشيب المهج .. يندلق مداد القلب على صفحات التعبير البيضاء فترتسم اللذة الوردية على مدارج التأويل …
و للحزن في قوافي المقام صواعق التخليد في طرائق التجديد ، و غربة الشعور في رحلة العبور .. مساحات الألم اللذيذ و المفارقات الماتعة..حزمة من حشود الكلمة المكتظة في انعاكاسات صورها على مرآة الزمن الآبق… وينطلق ذاك المتكور حول مدفأة اليقين متمردا من أعباء اتصاله إلى بهاء انفلاته كمتسابق مع الايائل الشاردة في مروج المتعة..
هذا الحزن الحميم الـ يتقاسم مع الليل مواويله و يتوسد نجومه ، يرتحل خارج مدارات الواقع معلقا على مشجب الإهمال كل احتمالات النهاية وأشواك البداية و السرد و التشبيه ، ولي معه ذكريات و شجن ونواقيس تطرقني بلحظاتها المريرة و تغرقني في أعسال انبلاج الضوء السحري من عتمات الألم.. لتعتصرني لحظات الانبثاق الوجداني و يسلبني الشرود هدأة الاحتمال ، فتضج برأسي ألف طاحونة نائحة تشق أخاديدها الوعرة في جدران ذاتي ، فأحفها على جوانب النجوى و أنا أتخذ زاوية مورقة بقناديل العزلة .. فيتكثف هطول القصيدة ..
و كما للحزن مساحته الودودة كذلك للحنين مرابع الألفة و حقول الزنابق .. منغرس  تحت خبائها أقانيم هوى و لوعة و لقيا و اغتراب .. مهاميز تحرث جمر الذكرى كسائس النار ، فيتمادى اللهيب الصانع نوافذ التيه قاذفا حمم الوجد المنعجن بلواعج النشيج . و تتجسد ألوان اللوحة من جديد في إطار من همسات حنونة لقصيدة معذبة ..
وتتسع صور المعاناة كثيرا …تحطم مداميك الأنا ، منفتحة على الكل … ترى من احتضارات الوطن و انهيارات قيمه مخالب ناهشة في صفاء السكينة …و مزق من عروبة مهدرة بأضاليل عمياء فتنز الجراح ألما زاعقا يمزقني إلى أشلاء متهالكة… و خيوط من نيازك الاغتراب تعلقني على سماوات الفقد ، و صرخات السخط فاستجمعني ببوارق الأمل .. لتنهمر القصيدة الساخطة الغاضبة ، و تنغرس في عيون الوطن المكلوم .
تلك العذابات المشحونة بانصهارات الشعور تعزف في داخلي ترانيمها المنغمة على أوتار اللحن و المعني فينساب خريرها على  وقع القوافي المتراقصة من شدة المتناقضات …
 و أجدني مرتحلة في مرافيء غربتي تظلني سماء مكفهرة و تعصف بي رياح الوجد أحيانا و الحزن أحيانا أخرى ، فارتوي من نمير هذا و من كوثر ذاك ، فتتدفق غمران التشكيل في صور القصيدة .
 
فواغي القاسمي
                      25/12/2007  
 

 

 

 

غدا أغيب مع القدر …

 

 

 أهلي .. أحبتي .. قرائي

*
*

*
 

*

 

غدا

 

أغيب عنكم في رحلة مع القدر ….

تجربة الولوج  في غياهب الغيب المقدر  سلفا

تلفني الملاءات الخضراء ….. تأخذني  في غيبوبة التسليم ..

تحوم حولي ملائكة اليقين و الحساب

 تتهيب لحظة الانقضاض .. أو ساعة المباركة

  تحجب سحابات  الغيب  عن عيني حقيقة النهاية …. كما حجبت عني فهم لحظة البداية

يضيئني أمل مس ّ شعلة سراج الأقدار بثقته العمياء …

 و صوت يتردد صداه في خوابي ذاتي …

يصرخ في كهف التوجس " ليس بعد ! "

و صليل الوقت المتآكل يجرني صوب لحظة النهاية ..

الصفر المسطور لخاتمة الأمور ..

وأنصال سكاكين القلق تجتز مفاصل الروح

انسكاب دم الحقيقة على صخرة التجلد و الصبر و المراوغة …

 و التحدي المذبوح " بلا بد " .. و " لا مفر " ..و " لا بديل "

 استسلم لنواميس القدر  و مصادفات العلل … و ماهية الضرورات

 تتعانق مباضع الحكماء و مجاهيل جسدي المسجى

في هجير الغيبوبة و هجرة الوعي 

 أجوب متاهات حروب المعاني والتعليل

تنشر أمامي عرائض السماوات .. و تعاريج السنين

 ترمقني أبصار الفقد بربما  و ما يلي و ما سبق ..

و ما يكون ..أو سوف يكون

 يقلب خريف الأمل

أوراق ماتبقى من ثواني الأكسير المتعب الخطى في الشرايين

 بعد أن شله انكسار الصمود  أمام إعصار القدرة ..

و قدرة الأعصار

يرخي عنان صولته و جدلية عبثه .. يسلم صولجان قوته لواهبه

 و بين برزخ الولوج للحياة و برزخ الخروج للعدم ,

فراسخ  من نبض مجهول

 يزرعها ورودا و أشواكا …

غمامات فرح و كسف أحزان …

حقول نواميس الأكوان و الأفلاك …

تنبت النجوم في روابيها أنهمارات الضوء

 و تلتف في حناياها سدف الليالي القاسية ..

و تغاريد المساءات الحالمة

عبثية التناقض في حدية المآل في المصادفات القاصمة ..

و الأحايين المباركة

شموع أقدار مغروسة في شمعدانات الذاكرة ..

و تراتيل أسفار منثالة من قواميس الوجوب

مدن العبور المضمخة ببخور التجريب و التشذيب و اللحن البهيج

 ابتسامة المرور على فراديس المتعة و اشتعالات البهاء …

 على صور المارين و الساكنين و العالقين بمشاجب القلب و الروح

 جلال اللاهوت في اضمحلال الناسوت حين يخضعه للمشيئة المقدرة

و تسابيح رياض العمر على ظمأ التعبير و جفاف  أغادير التوازن

رحلة المخاطر المجهولة ..

تراني هل أعود من أقاصيها الغادرة !

 أم يقتنصني نزقها بلهفة الخلاص و انسحاق الصورة !

 حيث لا أملك ما لا أوليته ..

لا يسعني إلا قولا واحدا ً :

" لست أدري ! " 

 

 

 

 

 

 

إلهي .. يا سري و نجوائي

*

 

" يريدون أن يُطفِئوا نورَ الله ِبأفواهِهِمْ ويأبَى اللهُ إلاّ أن  يُتِمَّ  نـورَه ُ و لو كـرِه الكافرون "
 
عنـدما تـَنْطفئ ُ أنـوارُ الحقيقة ْ…
 تـَنْغـَلِقُ القلـوبُ على عتمةِ المجهـولْ …
و تتلاشى بين الحقيقةِ و الواقعْ , كلُّ مفرداتِ المعقـولْ …
لكنّ نورَ عين الكون ِ يُضيئـُـنا بمشكاة ِ إصباحهْ….
فمن سديم ِ الليـل ينفلِقُ الصباح ْ…
 :
اللهمّ افتحْ لنـا مصاريعَ الصباحْ بمصاريع ِ الصلاحْ ….
وارْ قـِدنا في مهد أمنِكَ وأمانِكْ …
 
اللهم غَـيّـبْـنـا في حضرةِ أنوارِكْ , لا في غياهبِ أقداركْ …
و أعـنّا على تركِ حضيض ِ حظوظ ِ اللحوظ ِ في الفانية ْ,
إلى خلودِ حظوظ ِ اللحوظ ِ في الباقية ْ …
واشغلنا عن المطلب ِ الأدنى لتعليل المظاهرْ , 
بالمطلب الأسمى لتنوير البصائرْ ….
واكشف عنا حُجُبَ البقاءِ وامْحُ غُلالاتِ القلوبْ ,
 لتتلاشى أرواحُنا فـَنـَطـّلِعَ على قـُدرَةِ أسرارِكْ …
اللهم أيقظ َ ضميرَ أمتكْ , ِلتـُدْرِكَ أسبابَ غَضَبكْ …
 وارْشِدْها ببواطن ِ قـُدْرتكْ , 
على دروب ِ مُكاشَفـَتـُكَ و نـَصْـرَتـُكْ …
ولا تجعلها تتعثرُ بذيلِ جهالتـِها…..
:
 واغرسْ اللهم بعظمتكْ سلطانَ كلمتكْ ….
وانصرنا على شهواتِنا وغَـفْـلتنا…
وأعِنـّا بالدينْ , واجعله الوارث منا …
 :
اللهم اضرِبْ بقدرتكَ في نحورِ أعدائِك ْ…
وأظِلـّـنا بغمائم ِعزّتكْ …
حتى تـُشـْرِقَ كلمة
 
ُ"لا إله إلا الله "
 
على مشارق ِالأرض ِو مغاربها…
 
اللهم قد أوْلـَيـْتـَنا أمانتـُكَ … فأعِنـّا على حَمْلِها …
                            
           آمين يا رب العالمين 

أيها الساقي إليك المشتكى

 من عرائش القطاف

أيها الساقي إليك المشتكى …. قد دعوناكَ و إن لم تسمع ِ

أجمل الموشحات العربية على الإطلاق

ayhaalsa8e.rm
لفرقة الإنشاد العراقية


وهذا  توزيع حديث أكثر من رائع لعلي الأسمر

http://dc27.4shared.com/download/22652509/4fe74a88/Ayha_Assaqi.ra

شاع عنه أنه لابن المعتز .. لكنه في الحقيقة للحفيد أبي بكر بن زهر ولد بإشبيلية عام 507 هـ المولود لأسرة أندلسية نابغة في الطب والأدب، والشعر والسياسة. استقر أبناؤها أولاً في جفن شاطبة من الجنوب الشرقي، ثم تفرّق حفدتهم في عدة حواضر. وتوالى نوابغهم في أعلى مراتب الطب، والفقه، والشعر، والأدب، كما تولوا في أرفع مناصب الإدارة والوزارة. على سنن آبائه من التثقف بالطب والأدب , انصرف أبي بكر بن زهر في الشؤون الطبية إلى الناحية العملية، فكان حسن المعالجة، جيد التدبير، لا يماثله أحد في ذلك. ولم يذكر من تأليفه إلا رسائله في طب العيون. وكان مع ابن زهر بنت أخت له علمها الطب، فمهرت في فن التوليد وأمراض النساء. بيد أن هبات الملك للطبيب، وإقباله عليه، مع ما أنعم الله عليه به من عريض الجاه، أثار حسد الوزير أبي زيد عبد الرحمن، فعمل على دسّ السم له ولبنت أخته، فتوفيا سنة 595 هـ وتجدر الإشارة إلى أن شهرة أبي بكر بن زهر لا تقوم على إنجازاته في حقل الطب وحده، بل بصورة خاصة على شعره، لا سيما موشحاته المبتكرة التي كان فيها من المقدمين، وقد تثقف، إلى ثقافته الطبية العلمية، بثقافة فقهية لغوية أدبية متينة وعميقة. و موشحه المشهور (أيها الساقي) انتشر في المغرب والمشرق و ظل حتى يومنا هذا من أجمل الموشحات الأندلسية عل الإطلاق …
نلاحظ في الموشح عبارة " و سقاني أربَعـًا في أربَع ِ "
و اختلف النقاد على تفسيرها .. فمن قائل أرباع كؤس للأولى .. و ربوع ديار للثانية أي أنه كان يسقيه الكؤس أرباعا أرباعا في ربوع الديار المختلفة … إلا أن هذا الرأي لم يجد له الكثير من المؤيدين و أغلب القول بأنه يقصد كؤس الخمر حيث كان يقول إن النديم سقاه أربع كؤوس في أربع مرات متتالية (والمتعارف أن تقديم الكأس كان ثلاثا كقول الشاعر أبي نواس:
حتى تغنّى وما تم الثلاث له ……….. حلو الشمائل محمود الثـنيّـات

و تقول كلمات الموشح :

أيها الساقي إليكَ المشتكَى
قد دعوناك وان لم تسمعِ

ونديمٍ همتُ في غُـرّتِهِ
وبشرب ِ الراح ِ من راحتِه
كلما استيقظ من سُكرَتِهِ

جذبَ الزقَّ اليهِ واتـّكا
وسقاني أربَعـًا في أربَع ِ

غصنُ بان ٍمالَ من حيثُ النوى
ماتَ من يهواه من فرط ِالجوى
خَفِقُ الأحشاء ِ مرهونُ القوى

كلما فكـر في البين ِ بكى
ويحه يبكي لما لم يقـع ِ

مال لعيني عَشِـيَتْ بالنظر ِ
أنكرَتْ بعدكَ ضوءَ القمر ِ
فإذا ما شئتَ فاسمَعْ خبري

دَمِيَتْْ عينايَ من طول ِ البكى
وبكى بعضي على بعضي معي

و للاستماع لهذا الموشح الرائع , أنصحكم و بشدة زيارة هذا الموقع و ستجدونه الرقم 54 … وقد حاولت أن أضع رابط الموشح فقط لكن يبدو أن خاصية الموقع لا تسمح بالحفظ … عذرا ً!

http://www.iraqiart.com/songs/AllSongs.asp

أتمنى لكم وقتا ممتعا في الرحيل عبر الزمن تهدهد أشجانكم سفينة الموشحات الأندلسية الحالمة لنعيش معا في الذكرى الذهبية التي غربت عن سماء حياتنا الآنية … فما تبقى لنا سوى الذكريات الجميلة تقتات عليها قلوبنا المرهقة بداء العصر … ورحلة الأحزان …

 

يا سماء الرب غسلينا

 * 

يا سماء الرب … غسّلينا بالثلج و البرد

 

 ميلادُ الإنْسان ِ … تجَدّدُ البِداية ِ أم تحْريضُ النهاية ِ ..!
*
* 
باءْ.. بداية ِ التّكْوين ِ و انفجار ِ الكون ِ مِنَ العدمْ … هل نكون نقطتها ! نقطة لا تعني شيء أو ربما هي سر الأشياء .. تشكلت في نهاية النهايات بعد عمر من مليارات السنين .. نقطة الاشتهاء و الانتهاء … دورة متداخلة متجددة بتجدد الألم و الأمل … الفرح و الحزن .. اشتراك و افتراق …تشابه ولاتشابه … اختلاجات ملتفة , و بغموض السرية متغلغلة و ملتسبة فينا …تسقطنا في تعاريج الحياة المترنحة صعودا وهبوطا ..ثم هبوطا فهبوطا فهبوطا … فصولنا الأربعة ترتسم بكل تفاصيلها … لغيرنا و ليس لنا ..! فنسائم ربيعنا وضوعه لسنا نحن من يستلذ بها و ثمار صيفنا يقطفها الآخرون … أما عري خريفنا يسقط علينا اللعنات من كل حدب و صوب … و رياح شتاءنا يقتات صريرها على فوات الأمل و صخب التشهير… متى يدرك الآخرون بأن تلك الأغصان المتجردة من أوراقها و الصامدة أمام رياح أيلول وتشرين تعلمنا كيف يكون التحدي و أن أوراقها المتلونة التي تفترش الأرض ترسم لوحتها السوريالية المتناغمة مع ذواتنا التي لا ندرك كينونتها أو صيرورتها ..! ألا تتعرى تلك الأشجار من أجل إغراقنا بالجمال … هل نستطيع أن ندرك فلسفتها …! و بياض شتاء فصولنا ألا يعكس لنا كيف يتدفق الأمل من الألم ..! لماذا نبحث حينها عن نارٍ نصطلي بها ثم نبحث عن من يطفؤها فينا … دائما ندور في ذات الحلقة الدائرة فينا وعلينا … فأين بداياتنا و أين نهاياتها …! ومن رسم لنا معايير الجمال و القبح …! المرغوب والمرفوض…! الحلم و اليأس ..! و أي من تلك الأشياء هو الأجمل …! نقطة البداية الفطرية هي ذاتها نقطة الانتهاء الفطرية أيضا , لكن مع فارق بسيط … أنا أضللناها فضلت مسلكها … و أسبلنا عليها خطايانا و أغرقناها في شتات الغربة التي تسكننا و المتسمة بالألم برغم تجدد الفصول الأربعة … قطّعنا أوتار قيثارتنا إلا وترا …ذلك العازف الحزين الذي يتلوى كأفعى الحاوي التي تتشكل حسب الوهم … ومن ثم نعيشه ..!!
يا سماء الرب … غسلينا بالثلج و البرد حتى نعيد تشكيل حروف الألف و اللام و الميم … لا حسب الاشتهاء بل كما يجب أن يكون الانتهاء … حينها … و حينها فقط ستُفتح لنا بوابة الإشعاع السرمدي التي توقد فينا شموعا تنيرنا قبل أن تنير ظلمات غيرنا … فتتجلى حقيقة الأشياء أمامنا كما ينبغي لها أن تكون لا كما أردناها أن تتكوّن …! و يكون رحيلنا منا و إلينا و فينا … هو رحيل في عالم غيرمتجلٍّ ظاهريا بل متجسّد روحيا و فكريا… حيث العبور مستشرق بانصهار الذات وانتشاء الوجدان و الوصل الأسمى …!
 

 

وقفة التضامن مع صمود أهل الرباط بمسرى الرسول ….

كتب صحافي:
“لا تتركوني وحدي”…بهذه الكلمات ووسط بحر من الدموع ودعت هدى غالية (سبعة اعوام) والدتها ووالدها واخوتها الثلاثة عندما تحولت الاجواء المشمسة بشاطيء في غزة الى اكثر الايام سوادا في حياة هذه الطفلة .

كي لا تدمع عين الماضي

 
 
 
(*)
*
*
(*)
*
*
(*)
*
*
 
* 
 كي لا تدمع عين الماضي …
 
         يمرّ قطارُ العُمر ِ سَريعاً , و تتدافعُ الأيامُ إلى المجهول ِ ..
 و ما مِنْ أحَد ٍ يعْرفُ أينَ يَختبئُ الزمَنُ و لا كيفَ تتساقَطُ الأيامُ ….
و تظلّ الذّكرَياتُ الجميلة ُ كنُقوش ٍ غرَسها التّاريخُ
في أرْوِقَة ِ الأحْداث ِ و في ثَنايا فَئ ِ العُمْر ِ …..
وتتـََقلّبُ بينَ عجَلة ِ الزّمان ِ و عجَلة ِ الإنسان ,
 فتارةً يُدْرِكُهُ الملَلُ فيتجاهَلها
 و أحيانا ً تتدلّلُ عليه ِ بِغُنْجِها وسِحْرِها فلا يقوَى على تجاهُلِها …
 وتصْنَعُ بينَها و بينهُ عُذوبةَ الالتِصاقِ وشاعِريّةِ الوجْدانِ ….
(
)
(
       تُطِلُّ الحياةُ في الجسدِ المفْطورِ على حُبِّ الدُّنيا …
مُساقَة ٌ إليهِ مَسْلوبَةِ القرار ِ… وتَظلّ تُصارعُ معهُ الأهْوالَ و السّعادة ْ ,
 تَحْتَضِنُهُ و يَحْتَضُِها … يتَعانقان ِ و يتخاصمانْ …
يتّفقان ِ و يختلفانْ … تثورُ عَليهِ ويَثأرُ منها …
 يضَعان ِ العَراقيلَ لبعضِهما و يَصنعان ِ المقالبَ الباهِتَهْ …
 و تُسيّرُهُما الأقْدارُ حيثُما أرادوا أوْ لم يُريدوا …
 لا شئَ يمنعُ القَدَرْ مِنْ تذْييل ِ صَفْحةِ الحياةِ بإمْضائهِ اللذيذ ِ أحيانا ً
و المُخيفِ في أغلبِ الأحيانْ …
و ينتهي به ِ المطافُ إلى المآلِ المكروهْ …
ليَسْتَلّ سيفَ القضاءِ و يَفترقُ اللصيقانْ …
 
      لا يمكنْ للإنسانِ أنْ يأتي بلحْظةٍ وينتهي كما بَدأ ….
 فكما يَنْفَلِقُ فَجْرُ الإصْباح ِليَنْشُرَ إشْراقاتهُ على مَتاهاتِ الكوْنِ
و تتَسَارَعُ الشمسُ المضِيئةُ في سِباقٍ مع الوقتِ لتُؤدِيَ واجبَها …
و ما هيَ إلا سَاعاتٍ حتى تتداركَها لحظةُ الغيَبوبةِ
التي تَرْحَلُ بها بعيداً خَلفَ النهارِ و خلفَ اليَوم ْ…
لكنّها تكونُ قد أسْتَحَثّتِ الخُطى في انجازِ مُهمّتِها
 فَخَلّفَتْ ما أرادتْ أنْ تَخَلّفْ و أعانَتْ بقدرِ ما قُدّرَ لها أنْ تُعينْ
 وتَركتْ أثراً لتعودَ و تبحثُ عنهُ شمسُ صَبيحةٍ أخرى لتُكْمِلَ الطريقْ ….
 و هكذا تَظلّ دائرة ِالحياةِ بلا ابتِداءٍ و لا انْتهاءْ …
تماما ًكما خَلقَها اللهُ و جعلَ بدايتَها سِرّهُ و نهايتَها سِرّهُ أيضا …
و جعلَ فيها مِنَ الأكوانِ مالا تَبْلُغُ مَدارِكَه المخْلوقات…
 
       هَبط َ آدمُ بخطيئَتِهِ على الأرضِ و سَعَى فيها …
أدْركَ بِوحي ِ الخالق ِ أنّهُ وذريَتَهُ مَنْ سَيُعَمّرُ هذا الكَوكب ِ
 الذي لمْ يكُنْ أبدا ً يتمنّاهُ … !
دأبَ على اسْتيعاب ِذاتِهِ و مقدرَتهِ … حاولَ الانْصهارَ في أقْدارِه …
احتمى بظلّ الرّحمةِ و اسْتَنارَ بهَدْيِ الخالِق …
كانَ مُوقنا ً أنه ما أتى إليها إلا بِقَدَرٍ مخْتوم ٍفي اللوْح المحفوظ ِ…
 ليبدأ في إحْياءِ الأرضِ و إحياءِ الروحْ
 أمرٌ إلهيٌ لا يحتَمِلُ التّجْديفَ و التأويلْ …
تكليفٌ ربانيٌ مقدّسٌ … عبادةٌ أورثها أبنائَه و أحفادَه …
هكذا اسْتَمَرّتْ طاحُونةِ الزمانْ … تتناوبُ عليها الأجْيالْ …
 أدوارٌ يُسَلمُها السّلفِ للخَلَفْ … مِنْ بِدءِ التّكوينْ إلى يوم ِ الدّينْ …
 وحيثُ تنطوي صُحُفِ الأيّامِ والسنينْ..
تنتصِبُ الآثارُ شامخةً تتحدّي نَواميسَ الطبيعة …
تحْتضنُ تُراثَ الزمَنِ الغابِرْ …عِبْراتٌ للمُستقبل ِو الحاضرْ …
 ويظلُّ ما تخطّهُ أنامِلُ البشرِ عُنواناً ساطعاً في صفحاتِ الزمنْ ….
 
 

« Previous entries